سورة العلق - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العلق)


        


{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}
هذه السورة أول ما نزل من القرآن، في قول معظم المفسرين. نزل بها جبريل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قائم على حراء، فعلمه خمس آيات من هذه السورة.
وقيل: إن أول ما نزل {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]، قاله جابر بن عبد الله، وقد تقدم.
وقيل: فاتحة الكتاب أول ما نزل، قاله أبو ميسرة الهمداني.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أول ما نزل من القرآن: {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 151] والصحيح الأول. قالت عائشة: «أول ما بدئ به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرؤيا الصادقة، فجاءه الملك فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}» خرجه البخاري.
وفي الصحيحين عنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، يتحنث فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم}» الحديث بكامله.
وقال أبو رجاء العطاردي: وكان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد: مسجد البصرة، فيقعدنا حلقا، فيقرئنا القرآن، فكأني أنظر إليه بين ثوبين له أبيضين، وعنه أخذت هذه السورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. وكانت أول سورة أنزلها الله على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروت عائشة رضي الله عنها أنها أول سورة أنزلت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بعدها {ن وَالْقَلَمِ}، ثم بعدها {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ثم بعدها {وَالضُّحى} ذكره الماوردي. وعن الزهري: أول ما نزل سورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله: {ما لَمْ يَعْلَمْ}، فحزن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل يعلو شواهق الجبال، فأتاه جبريل فقال له: «إنك نبي الله فرجع إلى خديجة وقال: دثروني وصبوا علي ماء باردا» فنزل: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1].
ومعنى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ أي اقرأ ما أنزل إليك من القرآن مفتتحا باسم ربك، وهو أن تذكر التسمية في ابتداء كل سورة. فمحل الباء من بِاسْمِ رَبِّكَ النصب على الحال.
وقيل: الباء بمعنى على، أي اقرأ على اسم ربك. يقال: فعل كذا باسم الله، وعلى اسم الله. وعلى هذا فالمقروء محذوف، أي اقرأ القرآن، وافتتحه باسم الله.
وقال قوم: اسم ربك هو القرآن، فهو يقول: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي اسم ربك، والباء زائدة، كقوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20]، وكما قال:
سود المحاجر لا يقرأن بالسور أراد: لا يقرأن السور.
وقيل معنى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي اذكر اسمه. أمره أن يبتدئ القراءة باسم الله.


{خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2)}
قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسانَ} يعني ابن آدم. {مِنْ عَلَقٍ} أي من دم، جمع علقة، والعلقة الدم الجامد، وإذا جرى فهو المسفوح. وقال: مِنْ عَلَقٍ فذكره بلفظ الجمع، لأنه أراد بالإنسان الجمع، وكلهم خلقوا من علق بعد النطفة. والعلقة: قطعة من دم رطب، سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه، فإذا جفت لم تكن علقة. قال الشاعر:
تركناه يخر على يديه *** يمج عليهما علق الوتين
وخص الإنسان بالذكر تشريفا له.
وقيل: أراد أن يبين قدر نعمته عليه، بأن خلقه من علقة مهينة، حتى صار بشرا سويا، وعاقلا مميزا.


{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)}
قوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [3] قوله تعالى: {اقْرَأْ} تأكيد، وتم الكلام، ثم استأنف فقال: وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ أي الكريم.
وقال الكلبي: يعني الحليم عن جهل العباد، فلم يعجل بعقوبتهم. والأول أشبه بالمعنى، لأنه لما ذكر ما تقدم من نعمه، دل بها على كرمه.
وقيل: اقْرَأْ وَرَبُّكَ أي اقرأ يا محمد وربك يعينك ويفهمك، وإن كنت غير القارئ. والْأَكْرَمُ بمعنى المتجاوز عن جهل العباد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5